سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد أُنزلت علينا عشر آيات من أقامهنَّ دخل الجنة، ثم قرأ: {قد أفلح المؤمنون} إِلى عشر آيات»، رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه.
وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِن الله تعالى حاط حائط الجنة لَبِنَة من ذهب ولَبِنَة من فضة، وغرس غرسها بيده فقال لها: تكلَّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال لها: طوبى لكِ منزل الملوك» قال الفراء: {قد} هاهنا يجوز أن تكون تأكيداً لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون تقريباً للماضي من الحال، لأن {قد} تقرِّب الماضي من الحال حتى تُلحقَه بحكمه، ألا تراهم يقولون: قد قامت الصلاة، قبل حال قيامها، فيكون معنى الآية: إِن الفلاح قد حصل لهم وإِنهم عليه في الحال. وقرأ أُبيّ بن كعب، وعكرمة، وعاصم الجحدري، وطلحة بن مصرِّف: {قد أُفْلِحَ} بضم الألف وكسر اللام وفتح الحاء، على ما لم يُسمَّ فاعله. قال الزجاج: ومعنى الآية: قد نال المؤمنون البقاء الدائم في الخير. ومن قرأ: {قد أُفْلِحَ} بضم الألف، كان معناه: قد أُصيروا إِلى الفلاح. وأصل الخشوع في اللغة: الخضوع والتواضع.
وفي المراد بالخشوع في الصلاة أربعة أقوال.
أحدها: أنه النظر إِلى موضع السجود. روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى رفع بصره إِلى السماء، فنزلت: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} فنكس رأسه. وإِلى هذا المعنى ذهب مسلم بن يسار، وقتادة.
والثاني: أنه تركُ الالتفات في الصلاة، وأن تُلين كنفك للرجل المسلم، قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
والثالث: أنه السكون في الصلاة، قاله مجاهد، وإِبراهيم، والزهري.
والرابع: أنه الخوف، قاله الحسن.
وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال.
أحدها: الشِّرك، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: الباطل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: المعاصي، قاله الحسن. والرابع: الكذب، قاله السدي. والخامس: الشتم والأذى الذي كانوا يسمعونه من الكفار، قاله مقاتل. قال الزجاج: واللغو: كل لعب ولهو، وكل معصية فهي مطَّرَحة مُلغاة. فالمعنى: شغلهم الجِدُّ فيما أمرهم الله به عن اللغو.
قوله تعالى: {للزكاة فاعلون} أي: مؤدُّون، فعبَّر عن التأدية بالفعل، لأنه فعل.
قوله تعالى: {إِلا على أزواجهم} قال الفراء: {على} بمعنى مِنْ. وقال الزجاج: المعنى: أنهم يُلامون في إِطلاق ما حُظر عليهم وأُمروا بحفظه، إِلا على أزواجهم {أو ما ملكت أيمانهم} فإنهم لا يُلامون.
قوله تعالى: {فمن ابتغى} أي: طَلَب {وراء ذلك} أي: سوى الأزواج والمملوكات {فأولئك هم العادُون} يعني: الجائرين الظالمين، لأنهم قد تجاوزوا إِلى مالا يَحلُّ، {والذين هم لأماناتهم} قرأ ابن كثير: {لأمانتهم} وهو اسم جنس، والمعنى: للأمانات التي ائتُمنوا عليها، فتارة تكون الأمانة بين العبد وبين ربِّه، وتارة تكون بينه وبين جنسه، فعليه مراعاة الكُلِّ.
وكذلك العهد. ومعنى {راعون}: حافظون. قال الزجاج: وأصل الرعي في اللغة: القيام على إِصلاح ما يتولاَّه الراعي من كل شيء.
قوله تعالى: {على صلواتهم} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {صلواتِهم} على الجمع. وقرأ حمزة، والكسائي: {صلاتِهم} على التوحيد، وهو اسم جنس. والمحافظة على الصلوات: أداؤها في أوقاتها.
قوله تعالى: {أولئك هم الوارثون} ذكر السدي عن أشياخه أن الله تعالى يرفع للكفار الجنة، فينظرون إِلى بيوتهم فيها لو أنهم أطاعوا، ثم تقسم بين المؤمنين فيرِثونهم، فذلك قوله: {أولئك هم الوارثون}. وقد شرحنا هذا في [الأعراف: 43] عند قوله: {أُورثتموها}، وشرحنا معنى الفردوس في [الكهف: 107].


قوله تعالى: {ولقد خَلَقْنَا الإِنسانَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه آدم عليه السلام. وإِنما قيل: {مِنْ سُلالة} لأنه استُلَّ من كل الأرض، هذا مذهب سلمان الفارسي، وابن عباس في رواية، وقتادة.
والثاني: أنه ابن آدم، والسُّلالة: النطفة استُلَّت من الطين، والطين: آدم عليه السلام، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال الزجاج: والسُّلالة: فُعالة، وهي القليل مما يُنْسَل، وكل مبنيٍّ على فُعالة يراد به القليل، من ذلك: الفُضالة، والنُّخَالة، والقُلامة.
قوله تعالى: {ثُمَّ جعلناه} يعني: ابن آدم {نُطْفَةً في قَرار} وهو الرَّحِم {مكين} أي: حريز، قد هُيِّئ لاستقراره فيه. وقد شرحنا في سورة [الحج: 5] معنى النُّطفة والعَلقة والمُضغة.
قوله تعالى: {فخَلَقْنا المُضغة عظاماً} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «عظاماً فكسونا العظام» على الجمع. وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: «عَظْماً فكسونا العَظْم» على التوحيد.
قوله تعالى: {ثم أنشأناه خَلْقاً آخر} وهذه الحالة السابعة. قال عليّ عليه السلام: لا تكون موؤودة حتى تمرَّ على التارات السبع.
وفي محل هذا الإِنشاء قولان:
أحدهما: أنه بطن الأم. ثم في صفة الإِنشاء قولان:
أحدهما: أنه نفخ الروح فيه، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال أبو العالية، والشعبي، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك في آخرين. والثاني: أنه جعْله ذكراً أو أنثى، قاله الحسن.
والقول الثاني: أنه بعد خروجه من بطن أُمه. ثم في صفة هذا الإِنشاء أربعة أقوال.
أحدها: أن ابتداء ذلك الإِنشاء أنه استُهلَّ، ثم دُلَّ على الثدي، وعُلِّم كيف يبسط رجليه إِلى أن قعد، إِلى أن قام على رجليه، إِلى أن مشى، إِلى أن فُطم، إِلى أن بلغ الحُلُم، إِلى أن تقلَّب في البلاد، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: أنه استواء الشباب، قاله ابن عمر، ومجاهد.
والثالث: أنه خروج الأسنان والشَّعْر، قاله الضحاك، فقيل له: أليس يولَد وعلى رأسه الشعر؟ فقال: وأين العانة والإِبط؟.
والرابع: أنه إِعطاء العقل والفهم، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {فتبارك الله} أي: استحق التعظيم والثناء. وقد شرحنا معنى تبارك في [الأعراف: 54]، {أحسنُ الخالِقين} أي: المصوِّرين والمقدِّرين. والخَلْق في اللغة: التقدير. وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وعنده عمر، إِلى قوله تعالى: {خَلْقاً آخر}، فقال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد خُتمتْ بما تكلمتَ به يا ابن الخطاب». فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: {أحسنُ الخالقين} وقوله: {هل مِنْ خالقٍ غيرُ الله} [فاطر: 3]؟
فالجواب: أن الخلق يكون بمعنى الإِيجاد، ولا موجِد سوى الله، ويكون بمعنى التقدير، كقول زهير:
ولأنت تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبَعْ *** ضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي
فهذا المراد هاهنا، أن بني آدم قد يصوِّرون ويقدِّرون ويصنعون الشيء، فالله خير المصوِّرين والمقدِّرين. وقال الأخفش: الخالقون هاهنا هم الصانعون، فالله خير الخالقين.
قوله تعالى: {ثم إِنكم بعد ذلك} أي: بعد ما ذُكر من تمام الخَلْق {لميِّتون} عند انقضاء آجالكم. وقرأ أبو رزين العقيلي، وعكرمة، وابن أبي عبلة: {لمائتون} بألف. قال الفراء: والعرب تقول لمن لم يمت: إِنك مائت عن قليل، وميت، ولا يقولون للميت الذي قد مات: هذا مائت، إِنما يقال في الاستقبال فقط، وكذلك يقال: هذا سيِّد قومه اليوم، فاذا أخبرتَ أنه يسودهم عن قليل؛ قلتَ: هذا سائد قومه عن قليل، وكذلك هذا شريف القوم، وهذا شارف عن قليل؛ وهذا الباب كلُّه في العربية على ما وصفتُ لك.


قوله تعالى: {ولقد خَلَقْنَا فوقكم سبع طرائق} يعني: السموات السبع، قال الزجاج: كل واحدة طريقة. وقال ابن قتيبة: إِنما سميت {طرائق} بالتَّطارق، لأن بعضها فوق بعض، يقال: طارقتُ الشيء: إِذا جعلتَ بعضه فوق بعض.
قوله تعالى: {وما كُنَّا عن الخَلْق غافلين} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: ما غفلنا عنهم إِذ بنينا فوقهم سماءً أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب.
والثاني: ما كنا تاركين لهم بغير رزق، فأنزلنا المطر.
والثالث: لم نغفُل عن حفظهم من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم.
قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماءً بِقَدَرٍ} يعلمه الله، وقال مقاتل: بقدر ما يكفيهم للمعيشة.
قوله تعالى: {وشجرةً} هي معطوفة على قوله: {جناتٍ}. وقرأ أبو مجلز، وابن يعمر، وإِبراهيم النخعي: {وشجرةٌ} بالرفع. والمراد بهذه الشجرة: شجرة الزيتون.
فإن قيل: لماذا خص هذه الشجرة من بين الشجر؟
فالجواب من أربعة أوجه.
أحدها: لكثرة انتفاعهم بها، فذكَّرهم من نِعَمِه ما يعرفون، وكذلك خص النخيل والأعناب في الآية الأولى، لأنهما كانا جُلَّ ثمار الحجاز وما والاها، وكانت النخيل لأهل المدينة، والأعناب لأهل الطائف.
والثاني: لأنهم لا يكادون يتعاهدونها بالسقي، وهي تُخرج الثمرة التي يكون منها الدُّهن.
والثالث: أنها تنبت بالماء الذي هو ضد النار، وفي ثمرتها حياة للنار ومادة لها.
والرابع: لأن أول زيتونة نبتت بذلك المكان فيما زعم مقاتل.
قوله تعالى: {طور سَيْناء} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {طور سِيناء} مكسورة السين. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، مفتوحة السين، وكلُّهم مدَّها. قال الفراء: العرب تقول: سَيناء، بفتح السين في جميع اللغات، إِلا بني كنانة، فإنهم يكسرون السين. قال أبو علي: ولا تنصرف هذه الكلمة، لأنها جُعلت اسماً لبقعة أو أرض، وكذلك {سينين}، ولو جُعلت اسماً للمكان أو للمنزل أو نحو ذلك من الأسماء المذكَّرة لصُرفت، لأنك كنت قد سمَّيت مذكَّراً بمذكَّر. والطُّور: الجبل.
وفي معنى {سَيْناء} خمسة أقوال.
أحدها: أنه بمعنى الحسن، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال الضحاك: {الطور}: الجبل بالسريانية، و{سَيْناء}: الحسن بالنبطية. وقال عطاء: يريد: الجبل الحسن.
والثاني: أنه المبارك، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: أنه اسم حجارة بعينها، أضيف الجبل إِليها لوجودها عنده، قاله مجاهد.
والرابع: أن طور سيناء: الجبل المشجَّر، قاله ابن السائب.
والخامس: أن سيناء: اسم المكان الذي به هذا الجبل، قاله الزجاج؛ قال الواحدي: وهو أصح الأقوال؛ قال ابن زيد: وهذا هو الجبل الذي نودي منه موسى، وهو بين مصر وأيلة.
قوله تعالى: {تنبت بالدُّهن} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {تُنْبِت} برفع التاء وكسر الباء. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بفتح التاء وضم الباء.
قال الفراء: وهما لغتان: نبتت، وأنبتت، وكذلك قال الزجاج: يقال: نبت الشجر وأنبت في معنى واحد، قال زهير:
رأيتُ ذَوِي الحاجاتِ حَوْلَ بُيُوتِهم *** قَطِيناً لهم حتى إِذا أَنْبَتَ البَقْلُ
قال: ومعنى {تَنْبُتُ بالدُّهْن}: تنبت ومعها دهن، كما تقول: جاءني زيد بالسيف، أي: جاءني ومعه السيف. وقال أبو عبيدة: معنى الآية: تنبت الدهنَ، والباء زائدة، كقوله: {ومن يُرِد فيه بإلحادٍ بظلم} [الحج: 25] وقد بيَّنَّا هذا المعنى هناك.
قوله تعالى: {وصِبْغٍ} وقرأ ابن مسعود، وابن يعمر، وإِبراهيم النخعي، والأعمش: {وصِبْغاً} بالنصب. وقرأ ابن السميفع: {وصِبَاغٍ} بألف مع الخفض. قال ابن قتيبة: الصِّبغ مِثْل الصِّباغ، كما يقال: دِبْغ ودِبَاغ، ولِبْس ولِبَاس. قال المفسرون: والمراد بالصِّبغ هاهنا: الزيت، لأنه يلوِّن الخبزَ إِذا غُمس فيه، والمراد أنه إِدام يُصبَغ به.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7